القائمة الرئيسية

الصفحات

النظرية الوظيفية 


ظهورها روادها مبادؤها وتطبيقاتها العملية
مقدمة تمهيدية:
ظهرت النظرية البنيوية الوظيفية في اعقاب ظهور كل من البنيوية الاجتماعية علي ايدي كل من كلاودس ليفي ستراوس وكولدون ويزير وعندما نشر العالمان كتابي (ابنية القرابة) و(الطوطميه) على التوالي ,والوظيفية على ايدي كل من ماكس فيبر واميل دوركايم ووليم كراهام سمنر في مؤلفاتهم النشوره (الدين والاقتصاد )و(تقسيم العمل في المجتمع)و(طرق الشعوب),علما بأن ظهورها كان كرد فعل للتراجع والضعف والاخفاق الذي منيت به كل من البنيوية و الوظيفية لكون كل منهما احادية الجانب. ذلك ان البنيوية تفسر المجتمع والظاهرة الاجتماعية وفقا للاجزاء والمكونات والعوامل المفردة التي يتكون منها البناء الاجتماعي بعيدا عن وظائف هذه الاجزاء والنتائج المتمخضة عن وجودها . في حين ان الوظيفه تفسر الظاهره الاجتماعية تفسيرا يأخذ بعين الاعتبار نتائج وجودها وفعاليتها بعيدا عن بنائها والاجزاء التي تتكون منها

لهذا ظهرت النظرية البنيوية الوظيفية لتنظر الى الظاهرة او الحادثة الاجتماعية على انها وليدة الاجزاء او الكيانات البنيويه التي تظهر في وسطها وان لظهورها وظيفة اجتماعية لها صلة مباشرة او غير مباشرة بوظائف الظواهر الاخرى المشتقه من الاجزاء الاخرى للبناء
الاجتماعي, علما بأن النظرية البنيوية الوظيفية قد ظهرت في القرن التاسع عشر على يد العالم الاجتماعي البريطاني هربرن سبنسر ثم ذهبت الى امريكا فطورها هناك كل من تالكوت بارسونز وروبرت ميرتون وهانز كيرث وسي ورايت ملز

المبحث الاول:نشوء النظرية البنيوية الوظيفية:
يرتبط نشوء النظرية البنيوية الوظيفية بالفكر الوضعي اذ كانت النزعة الوضعية منذ بداية القرن التاسع عشر مؤيدة للعلم ومعارضة للميتفيزيقيا التقليدية, اذ ان تأييدها للعلم والمنطق التجريبي كان يستند على فكره الوصول الى القوانين التي تخضع لها الوقائع والظواهر الاجتماعية. لذا اكدوا على فكرة العلم الطبيعي خاصة علم الاحياء واهميته في دراسة المجتمع, فعلم الاحياء يدرس تراكيب ووظائف الكائن الحيواني او النباتي الحي. ومثل هذه الدراسة يمكن الاستفادة منها في تحليل المجتمع البشري الذي هو الاخر الذي يتكون من اجزاء تسمى بالانظمة التي لها وظائف يكمل بعضها البعض الاخر.
ان البنيويين الوظيفيين يعتقدون بأن بناء أي كائن عضوي عبارة عن ترتيب او تنظيم ثابت نسبيا من العلاقات القائمة بين الخلايا المختلفة للكائن
اما عن ماهية الدعاوى الاساسية لظهور الاتجاه البنيوي الوظيفي فهي مختلفة بين دعاوي علمية ودعاوي اديولوجية وسياسية .
لقد ظهر الاتجاه البنيوي الوظيفي استجابة لحاجة عدد من الباحثين في علمي الاجتماع والانثروبولوجيا نحو تطوير ادوات واساليب نظرية ومنهجية تتوائم ودراسة الصور المختلفة للترابطات الاجتماعية والتفاعل بين السمات والجماعات والنظم داخل النسق الاجتماعي الكبير الذي يكتنف الانساق الفرعية .اما المنحى الاخر للفكر البنيوي الوظيفي فقد كان استجابة لدعاوي ايدلوجية وسياسية اذ ارادت ان تناهض علم الاجتماع الماركسي وتضرب الطوق والعزلة الفكرية والسياسية على السياق التاريخي المادي الذي تشأ وترعرع فية
لقد ظهرت النظرية البنيوية الوظيفية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ,وكانت بمثابة رد فعل للمعوقات والانتقادات والمشكلات التي وجهت لكل من النظرية البنيوية والنظرية الوظيفية ,ان النظرية البنيوية الوظيفية جاءت لتكمل الاعمال التي بدأت بها كل من البنيوية والوظيفية .ذلك ان النظرية البنيوية الوظيفية تعترف بأن لكل مجتمع او مؤسسه او منظمة بناء والبناء يتحلل الى اجزاء وعناصر تكوينية, ولكل جزء او عنصر وظيفة تساعد على ديمومة المجتمع او المؤسسة او المنظمة .
لذا فالفكر البنيوي الوظيفي يعترف ببناء الكيانات او الوحدات الاجتماعية ويعترف في الوقت ذاتة بالوظائف التي تؤديها الاجزاء والعناصر الاولية للبناء او المؤسسة ووظائف المؤسسة الواحدة لبقية المؤسسات الاخرى التي يتكون منها المجتمع . علما بأن النظرية البنيوية الوظيفية تعتمد على النظرية البايولوجية التي جاء بها جارلس دارون في كتابة (اصل الانواع) اذ ان جارلس دارون تناول دراسة الاجزاء التي يتكون منها الكائن العضوي والترابط بينها ودرس وظائفها للكائن العضوي ككل.
وقد استفاد علماء الاجتماع البنيويون الوظيفيون من الافكار البايولوجية والعضوية التي جاء بها دارون عند دراستة للكائن الحيواني من حيث البناء والوظيفة والتطور,ذالك ان للمجتمع بناء ووظيفة وان هناك تكاملا بين الجانب البنيوي للمجتمع والجانب الوظيفي اذ ان البناء يكمل الوظيفة والوظيفة تكمل البناء. فكيف يمكن التحدث عن البناء دون ذكر وظائفه , وكيف يمكن التحدث عن وظائف الجماعات والكيانات دون تناول بنائها .وهنا يقول تالكوت بارسونز في كتابة (النسق الاجتماعي) لابناء بدون وظائف اجتماعية ولا وظائف بدون بنائ اجتماعي .وهذا يدل على وجود علاقة متفاعلة بين البناء والوظيفة , وان هناك درجة عالية من التكامل بينهما ,اذ لانستطيع الفصل مطلقا بين البناء والوظيفة. وبناء على هذه المسلمة نستطيع توجيه الانتقاد المر الى النظرية البنيوية والى النظرية الوظيفية . فالبنيوية ترى بأن ماهو موجود هو البناء و الاجزاء التركيبية للبناء ,بينما ترى الوظيفية بأن ماهو موجود هو الوظائف التي تفيد المجتمع وليس البناء
ان كلاما احاديا كهذا دفع بالبنيويين الوظيفيين الى الربط العلمي الغائي بين الوظيفة والبناء اذ لابناء بدون وظيفة ولا وظيفة بدون بناء. اما علماء الاجتماع الذين درسوا البناء والوظيفة جنبا الى جنب دون التحيز الى ركن دون الركن الاخر فهم العلامة ابن خلدون وهربرت سبنسر وتالكوت بارسونز وروبرت ميرتون وهانز كيرث وسي ,رايت ملز وجون ريكس وكينكزلي ديفيز وغيرهم.

من المؤكد ان الاتجاه البنيوي الوظيفي قد ظهر في علم البايولوجي وفي علم النفس وفي علم الانثروبولوجي الثقافي قبل ان يظهر في علم الاجتماع. فعلم البايولوجي يعتقد بأن الكائن العضوي الحي يتكون من اجزاء او تراكيب بنيوية, ولهذه الاجزاء او التراكيب وظائفها, والوظائف هذه تساعد على بقاء وديمومة الكائن العضوي الحي . واستعمال الاتجاه البنيوي الوظيفي في علم النفس في بداية القرن العشرين عندما ظهرت ادوات تحليلية مختلفة تحاول ان تصف بدقة الاجزاء او العناصر التي تتكون منها العمليات العقلية كالارادة والانفعال والدافع والاحساس والادراك......الخ ,غير ان الاتجاه البنيوي الوظيفي لم يعين الوحدة الاساسية التي تربط العناصر الفرعية بيد انه في العشرينات والثلاثينات ظهرت نظرية الجشطالت التي تعتقد بأن أي عنصر من عناصر العملية العقلية يجب ان يدرس في ضوء الكل الذ تتكون منه الاجزاء او العناصر على الرغم من وجود الاختلافات بين الكل والاجزاء.
واستثمر علم الاجتماع فكرة البناء والوظيفة في دراستة للمجتمعات والجماعات و المؤسسات والمنظمات.
فالمؤسسة او النسق الفرعي له بناء يتحلل الى عناصر بنيوية يطلق عليها الادوار , ولكل دور وظيفة , وهذه الوظائف مكملة بعضها لبعض .ذالك ان التكامل يكون بين البنى وبين الوظائف كما تعتقد النظرية البنيوية الوظيفية

المبحث الثاني: المبادئ التي ترتكز عليها النظرية البنيوية الوظيفية
تعتقد النظرية البنيوية الوظيفية التي كان روادها كل من هربرت سبنسر وتالكوت بارسونز وروبرت ميرتون و هانز كيرث وسي رايت ملز بعشره مبادئ اساسية متكاملة ,كل مبدأ يكمل المبدأ الاخر . وهذه المبادئ هي على النحو الاتي:
1-يتكون المجتمع او المجتمع المحلي او المؤسسة او الجماعة مهما يكن غرضها وحجمها من اجزاء ووحدات ,مختلفة بعضها عن بعض وعلى الرغم من اختلافها الا انها مترابطة ومتساندة ومتجاوبة واحدتها مع الاخرى
2-المجتمع او الجماعة او المؤسسة يمكن تحليلها تحليلا بنيويا وظيفيا الى اجزاء وعناصر اولية ,أي ان المؤسسة تتكون من اجزاء او عناصر لكل منها وظائفها الاساسية.
3- ان الاجزاء التي تحلل اليها المؤسسة او المجتمع او الظاهرة الاجتماعية انما هي اجزاء متكاملة ,فكل جزء يكمل الجزء الاخر وان أي تغيير يطرأ على احد الاجزاء لابد ان ينعكس على بقية الاجزاء وبالتالي يحدث مايسمى بعملية التغير الاجتماعي
.من هنا تفسر النظرية البنيوية الوظيفية التغير الاجتماعي بتغير جزئي يطرأ على احد الوحدات او العناصر التركيبية, وهذا التغير سرعان ما يؤثر في بقية الاجزاء اذ يغيرها من طور الى طور اخر.
4-ان كل جزء من اجزاء المؤسسة او النسق له وظائف بنيوية نابعة من طبيعة الجزء . وهذه الوظائف مختلفة نتيجة اختلاف الاجزاء او الوحدات التركيبية, وعلى الرغم من اختلاف الوظائف فان هناك درجة من التكامل بينها .لذا فوظائف البنى المؤسسيه مختلفة ولكن على الرغم من الاختلاف فان هناك تكاملا واضحا بينهما. فمثلا وظيفة المدرس او الاستاذ في المؤسسة التربوية تختلف عن وظيفة الطالب . ولكن وظائف كل منهما تكمل بعضها البعض ,فالاستاذ لايستطيع اداء وظائفه التعليمية والتربوية دون ان يكون هناك طلبة كما ان الطالب لا يستطيع تلقي العلوم والمعرفه والتربية دون ان يكون هناك مدرس , لذا فالاختلاف والتفاضل في المراكز هو شي وظيفي للتماسك والتكافل الاجتماعي في المؤسسة التربوية او التعلمية.
5-الوظائف التي تؤديها الجماعة او المؤسسة او يؤديها المجتمع انما تشبع حاجات الافراد المنتمين او حاجات المؤسسات الاخرى , والحاجات التي تشبعها المؤسسات قد تكون حاجات اساسية او حاجات اجتماعية او حاجات روحية
6-الوظائف التي تؤديها المؤسسة او الجماعة قد تكون وظائف ظاهرة او كامنة او وظائف بناءة او وظائف هدامة
7-وجود نظام قيمي او معياري تسير البنى الهيكلية للمجتمع او المؤسسة في مجالة. فالنظام القيمي هو الذي يقسم العمل على الافراد ويحدد واجبات كل فرد وحقوقه,كما يحدد اساليب اتصاله وتفاعله مع الاخرين . اضافة الى تحديدة لماهية الافعال التي يكافأ عليها الفرد او يعاقب

8- تعتقد النظرية البنيوية الوظيفية بنظام اتصال او علاقات انسانية تمرر عن طريقه المعلومات والايعازات من المراكز القيادية الى المراكز القاعدية او من المراكز الاخيرة الى المراكز القيادية

9-تعتقد النظرية البنيوية الوظيفية بنظامي سلة ومنزلة .فنظام السلطة في المجتمع او المؤسسة هو الذي يتخذ القرارات ويصدر الايعازات والاوامر الى الادوار الوسطية او القاعدية لكي توضع موضع التنفيذ ,فهناك في النظام ادوار تصدر الاومر وهناك ادوار تطيعها .اما نظام المنزلة فهو النظام الذي يقضي بمنح الامتيازات والمكافات للمعلمين الجيدين لشدهم والاخرين من زملائهم الى العمل الذي يمارسونه , علما بأن الموازنة بين نظامي السلطة والمنزلة هي شيء ضروري لديمومة وفاعلية المؤسسة او النظام او النسق


الانتقادات التي وجهت للاتجاه البنائي الوظيفي
من اهمها:
1-لقد انصب التركيز على الجوانب الثابتة من النسق الاجتماعي اكثر من الاهتمام بالابعاد الديناميكية المتغيرة, وكانت الابعاد الثقافية للنسق الاجتماعي اكثر استخداما في التفسير من غيرها من مكونات النسق
2-المبالغة في محاكاة نموذج العلوم الطبيعية, وخاصة نموذج علوم الحياة , وكأن النسق الاجتماعي كائن عضوي تحكمة نفس القوانين التي تحكم حركة الكائنات الحية
3-يؤخذ على الاتجاة البنائي الوظيفي انه احادي النظرة,بمعنى انه لايرى ويبحث في النسق الاجتماعي الا ابعاد التوازن والوظائف وتحقيق الاهداف, فلا يهتم بتحليل ابعاد اخرى مثل ابعاد التغير والاظطراب والامراض والمشكلات الاجتماعية
4- استبعاد فكرة التغير الاجتماعي وخاصة الجذري والشامل , وحتى وان اعترف النموذج البنائي الوظيفي بشيء من التغير الاجتماعي النابع من عوامل كائنة داخل النسق , فانه لايعطي أي اهتمام, بل لايهتم مطلقا بالتغير الاجتماعي الذي يتم بفعل عوامل من خارج النسق الاجتماعي
5-اهمل الاتجاه البنائي الوظيفي فكرة الصراع الاجتماعي, مع ان هذا المتغير اساسي في فهم تغير وتطور المجتمعات الانسانية الصناعية والنامية منها على حد سواء

6- صعوبة اختبار كثير من المفاهيم والتصورات والقضايا التي يستند اليها الاتجاه البنائي الوظيفي في فهم المجتمع

7- لايطرح اسئلة رئيسية وجذرية حول غاية الفعل الاجتماعي ,فهو يهتم فقط بنتائج الفعل واستمراره دون النظر في مضامينة وغاياتة البعيدة

الاضافات التي قدمها كونت لتطوير النظرية البنيوية:


يمكن تحديد هذه الاضافات بخمس نقاط اساسية مأخوذه من كتابة(الفلسفة الوضعية) وهي:
1-درس كونت المجتمع البشري في حالته السكونية,أي دراسة اجزائه البنيوية في نقطة زمنية محددة . علما بأن المجتمع البشري يتكون من اجزاءا ونظم مختلفة بأغراضها كالنظم الاقتصادية والدينية والسياسية والعائلية.
2-تكون النظم التي يتكون منها المجتمع متكاملة ,أي يكمل بعضها للبعض الاخرز
3-اذا تغير نظام اجتماعي فرعي من نظم البناء الاجتماعي فان هذا التغير لابد ان يؤثر على بقية النظم اذ يغيرها من طور الى طور اخر
4-تهدف الدراسة السكونية للمجتمع بنظر كونت الى الوقوف على القوانين التي تحكم تماسك النظم وتضامنها . علما بأن العناصر الاساسية للمجتمع هي الفرد والعائلة والدولة.
5-لايعتبر الفرد عنصرا اجتماعيا الا اذا تفاعل مع الاخرين وتضامن معهم بشكل جماعات ومنظمات متماسكة . لذا فالفردية الخالصة لاتمثل شيئا في الحياة الاجتماعية الابعد امتزاج وتفاعل العقول بعضها مع بعض. علما بأن تفاعل العقول لا يتحقق في الوسط الفردي وانما يتحقق في الوسط الجمعي.

المبحث الثالث :الاضافات التي قدمها ابرز رواد البنيوية الوظيفية:

في هذا المبحث نود التطرق الى الاضافات العلمية التي وهبها ابرز البنيويون الوظيفيون لنمو وتطور النظرية البنيوية الوظيفية , ومن هؤلاء هربرت سبنسر وتالكوت بارسونز وهانز كيرث وسي .رايت ملز

اولا: الاضافات التي قدمها هربرت سبنسر للنظرية البنيوية الوظيفية:


النظرية العضوية التي جاء بها هربرت سبنسر في كتابه مبادىء علم الاجتماع هي التي تفسر افكاره حول البنيوية الوظيفية .
فالنظرية البايو اجتماعية التي ابتدعها هربرت سبنسر (1820-1903) تقارن الكائن الحيواني الحي بالمجتمع من حيث الاجزاء والوظائف والتكامل بين الاجزاء والوظائف للكائنين الحيواني والاجتماعي . لقد اجرى سبنسر مماثلة بين الكائن الحيواني والمجتمع فالكائن الحيواني كجسم الانسان مثلا يتكون من اجهزة واعضاء كالجهاز العصبي والجهاز الهضمي والجهاز الدموي والجهاز العضلي والجهاز العظمي والجهاز التنفسي .......الخ. وبجانب الاجهزة العضوية للكائن الحيواني الحي هناك الاعضاء كالقلب والرئتين والمعدة واليد والرجل والعين واللسان والاذن........الخ. علما بأن سبنسر قد حلل او شرح الجهاز العظمي الى مجموعة خلايا عضوية, ولكل خلية واجباتها وحقوقها.
اما الكائن الاجتماعي الذي شبهه هربرت سبنسر بالكائن العضوي فيتكون من مجموعة مؤسسات او نظم اجتماعية فرعية كالنظام الاقتصادي والنظام السياسي والنظام الديني والنظام التربوي والنظام الاسري والقرابي ونظام العسكري . والنظام الواحد يتحلل الى ادوار كتحليل النظام الاقتصادي الى ادوار قيادية ووسطية وقاعدية وان لكل دور واجبات وحقوق اجتماعية.

ولم يكتف سبنسر بدراسة اجزاء الكائن الحيواني ومقارنتها بأجزاء المجتمع بل ذهب الى ابعد من ذالك اذ اشار ان لكل جزء من اجزاء المجتمع وظائفة التي تساعد عل ديمومة وبقاء الكائن الاجتماعي مثله في ذلك الوظائف التي يقدمها الجهاز العضوي لديمومه وبقاء الكائن الحيواني , ذلك ان للجهاز العظمي وظائفه البايولوجية وللجهاز العضلي وظائفه البايولوجية وهكذا.
وتناول سبنسر ايضا في دراسته البايواجتماعية التكامل بين اجزاء المجتمع والتكامل بين وظائفها اذ اشار بأن المؤسسة الاقتصادية تكمل المؤسسة الدينية وان المؤسسة الاخيرة تكمل المؤسسة الاسرية والقرابية وهكذا .كما اضاف بأن وظائف الكائن الاجتماعي مكملة بعضها لبعض اذ ان الوظائف الاقتصادية للمجتمع تكمل الوظائف العسكرية, والوظائف الاخيرة تكمل الوظائف التربوية. وهنا اكد سبنسر على موضوع التفاضل والتكامل لأجزاء المجتمع او اجزاء الكائن الحيواني الحي.فبالرغم من تفاضل اجزاء المجتمع فانها تكون متكاملة أي ان كل جزء يكمل الجزء الاخر

ثانيا: الاضافات التي قدمها تالكوت بارسونز للبنيوية الوظيفية وتطورها:


ظهرت الاضافات التي قدمها تالكوت بارسونز (1902-1979) لنمو وتطور النظرية البنيوية الوظيفية في مؤلفيه (النسق الاجتماعي) و(نحو نظرية عامة للحدث) .ذالك ان بارسونز يعد من قادة النظرية البنيوية الوظيفية في القرن العشرين . ان نظرية الحدث التي بلور معالمها بارسونز تدرس الانساق الثلاثة وهي الثقافة والشخصية والنظام الاجتماعي .علما بأن التكامل الموضوعي بين الانساق الثلاثة يعني بأن الثقافة لايمكن فهمها الا عن طريق الشخصية والنظام الاجتماعي , وان النظام الاجتماعي لايمكن فهمه بدون فهم ودراسة واستيعاب الثقافة والشخصية.
بيد ان البنيوية الوظيفية البارسونية تكمن في النسق او النظام الاجتماعي الذي درسه بارسونز دراسة بنيوية زظيفية اذ اكد ذلك عن طريق الخطاب الذي القاه امام الجمعية الامريكية للاجتماعيين عام 1947 عندما كان رئيسها اذ اشار الى ضروره ايجاد نظرية بنيوية وظيفية تخدم ثلاثة اغراض رئيسية هي:
1-تحديد الضرورات الوظيفية للنظام الاجتماعي
2-تحديد المتطلبات الوظيفية للنظام
3-تحليل المجتمع الى عناصره الاولية وفق نظرية تكامل الانساق
الثلاثة
فالضرورات الوظيفية للنظام الاجتماعي هي:
1-قابلية النظام على تكييف نفسة للانظمة الاخرى وللبيئة الطبيعية التي وجد فيها
2-تحقيق الاهداف الرئيسية للنظام
3-قابلية النظام على تحقيق الوحدة بين اعضائه
4-قدرته على المحافظة على الاستقرار والانسجام

اما المتطلبات الوظيفية للنظام الاجتماعي فهي:
1-تحقيق وتهيئة الظروف الاساسية التي تساعد النسق الاجتماعي على البقاء والاستمرار والتطور , ومن هذه الظروف تنشئة الاطفال وتزويدهم بالمهارات والقابليات والقيم التي يعتز بها المجتمع
2-وجود لغة مشتركة تساعد على التفاهم والاتصال بين الافراد والجماعات
3- طريقة توزيع الادوار الاجتماعية على بناء المجتمع او الجماعة
4-توزيع المكافات والامتيازات والحقوق على الافراد بطريقه تعتمد طبيعة الواجبات التي يقومون بها

ان لكافة النظم الاجتماعية كالدولة والاسرة والجامع والكنيسة والاحزاب السياسية والسلطات والجماعات الضاغطة ...الخ
وظائف اجتماعية مهمة تساعد النظام على تحقيق اهدافه وطموحاته وتنتج في توازن وتكامل اجزائة البنيوية ,علما بأن النظرية البنيوية الوظيفية التي درسها بارسونز وطورها انما هي منهج لتفسير الظواهر الاجتماعية والسياسية من خلال الكشف عن طبيعة وظائفها وقدرتها على تحقيق الاهداف والطموحات.




ثالثا: البنيوية الوظيفية عند اميل دور كايم :


مفهوم الوظيفة لدى دوركايم
يميل دوركايم إلى جعل مفهوم الوظيفة مفهوما نسبيا خاليا من الحتمية . فاذا لم يكن من الضروري اعتبار كل وظيفة تعبير عن حاجة الجسم فليس من الضروري ايضا أن تكون لكل حاجة وظيفة في الجسم . فما هي أسباب هذه النسبية الوظيفية لدى دوركايم ؟
ثمة ثلاثة اسباب تفسر النسبي عند دوركايم :
1. يريد دوركايم ان يحتكر تأسيس العلم الجديد . لذا لن يكون بإمكانه تبني نفس التعريفات التي نجدها عند كلا من كونت و سيمون و سبنسر . ولايجب ان ننسى ايضا أن دوركايم يعتبر الكونتية ( أ. كونت ) ضربا من ضروب الفلسفة المجردة في حين انه يدعي لنفسه تأسيس العلم الجديد .
2. رغب دوركايم ان يتميز في اطروحاته عن كونت مبينا ان علم الاجتماع لا يقوم على مبدأ الحتمية ولايستند اليها .
3. اراد دوركايم ان يتخلص من هذه المرجعيات غير الاجتماعية وان تكون للظاهرة الاجتماعية مرجعيتها المحضة وليست المرجعية البيولوجية او الطبيعية.
في المقابــــل :
4. بدا المجتمع عند كونت و سبنسر على انه كلية اجتماعية ، وعليه فان الحياة الاجتماعية والحياة العضوية ستكونان خاضعتين لنفس القانون ، قانون التطور .
مثال :
فالمؤسسات مثلا تملك نفس الاهداف والوظائف التي تمثل اعضاء الانسان وهو ما يرفضه دوركايم كون سبنسر يختزل النشاط الانساني في الوظيفة التي تقوم بها كل ظاهرة اجتماعية والتي يتم ارجاعها إلى حاجيات الجسم الانساني .
أية استنتاجات ؟
ان الاستنتاجات الرئيسية التي يمكن الخروج بها :
§ أن الوظيفية كانت قبل دوركايم تعرف على انها حالة من التطابق ما بين الجسم وحاجاته ، فكلما عبر الجسم عن حاجة ما الا واستشعر الحاجة إلى وظيفة ما.
§ ان المقاربة الوظيفية انطلقت من هذا التطابق الكلي مابين الوظيفة والحاجة . لماذا ؟ لان علوم البيولوجيا كانت تشكل نوعا من مرجعيات علم الاجتماع لدى دوركايم و كونت و سيمون ... الخ.
§ اراد دوركايم ان يقصي العلوم البيولوجية والطبيعية من أي تاثير في علم الاجتماع ، وحرص على استقلاله والحد من تدخل علوم البيولوجيا فيه ، لذا ستتخذ الوظيفية عند دوركايم منحىً آخر غير التطابق وهو المنحى المعرفي .
§ يعتبر دوركايم ان الممارسة السوسيولوجية لا ينبغي ان تعتمد على الحتمية لذا يؤكد على نسبية الوظيفة " فليس الشعور بالحاجة يستوجب الوظيفة " .
§ من جهة اخرى هناك اعتبارين لدى دوركايم يقفان خلف تنسيبه للظاهرة الاجتماعية :
الاعتبار الاول : هو صعوبة اعتماد التحليل الحتمي في علم الاجتماع . فالظاهرة الاجتماعية نسبية بحكم ظروف نسبية انتاجها وظروف التحكم فيها .
الاعتبار الثاني : هو ان الظواهر المعتلة والشاذة هي ايضا لها وظائف ولايمكن القول بانها ظواهر غير طبيعية . وهذا يعني ان علم الاجتماع لا يبحث في علة الظواهر بقدر ما يبحث عن الوظيفة التي يمكن ان تؤديها ( في العلاقات والادوار ) .

بعض اسهامات دوركايم في تأسيس البنيوية الوظيفية
اولا :
ان اهتمام دوركايم بالوقائع الاجتماعية جعله يهتم ايضا بالاجزاء المكونه للنسق الاجتماعي من جهة وعلاقات الاجزاء ببعضها البعض ومن ثم تأثيرها على المجتمع . ففي حديثه عن الوقائع الاجتماعية وجد نفسه مضطرا لإعطاها اهمية كونها تندرج في اطار في بنى ومؤسسات سعى دوركايم إلى البحث عنها .
ثانيا :
اعتنى دوركايم كثيرا بالبنى والوظائف وعلاقاتها بحاجيات المجتمع . وهذا يعني اهتمامه بالبنية والوظيفة كعنصرين هامين في التحليل السوسيولوجي .
ثالثا :
من أهم الامور التي قام بها دوركايم تمييزه بين مفهومين هما " السبب الاجتماعي " و " الوظيفة الاجتماعية ".
اذ ان دراسة " السبب الاجتماعي " سيعني الاهتمام بمبرارات وجود البنية . اما دراسة " الوظيفة الاجتماعية " فستعني الاهتمام بحاجيات المجتمع الكبيرة وكيفية تلبيتها من طرف بنية معينة

تعليقات